السبت، 28 أغسطس 2010

حسين حمزة: جدلية الدلالة في ريش البحر

حسين حمزة

جدلية الدلالة في ريش البحر


يشغل البحر حيّزًا نصيًّا في ديوان "ريش البحر" لشاعر سلمان مصالحة. يبرز ذلك في دفتي الديوان. يتطلب البحث عن دلالات العنوان تتبّع الدلالات المحتملة في اقتران لفظتي الريش والبحر، ومن ثم تبين العلاقة لتي تربط العنوان بمحور النص الذي أعتقد أنه يدور حول ثنائية الحضور في جدلية تتقاطع بين وجودها واغترابها، حيث ينفتح النص على دلالتين الأولى مسطحة والثانية عميقة.


تحيل دلالة الريش أولا إلى الطيران، أي إلى تجسيد الحركة، لكن الشاعر يزيح دلالة الحركة ليحول دلالة لفظة الريش إلى دلالة الكفن كغطاء يغلف الأشياء، وبمعنى آخر إلى القطب الآخر من جدلية التقابل، إلى جدلية السكون والصمت:

"لنجم أحيانًا، وحين يعود
بالذكرى إلى بابه، يلفّ
القلب باريش، وينف في من روحه" (ص 19)

امتدادا لهذه الثنائية تتقابل لفظة "النجم" مع لفظة "القلب" باعتبار النجم ممثلا للعلوي لى حين أن القلب يمثل السفلي، أو المدار الحميمي في الذات. كما إن دلالة العودة في الفعل "يعود" يدل على الرجوع إلى أصل الفعل - الذكرى - باعتيارها ماضيا في الحاضر، وحاضرا في الماضي، حيث أن كثيرا ما يعيش الماضي في الحاضر مسيطرا عليه، ومن ثم "ينفخ فيه من روحه" دلالة على لحركة والحياة بعد طقس الموت.

يكمن تنويع آخر لدلالة الريش في دلالة لمرجع أو الملجأ وهذا ما يفارق دللة الريش لكونه غلافا يحيط الجسد، قد يحميه إلا أنه يبقي القشرة الخارجية. وما يقوم به الشاعر هوتبئير الدلالة في جعل الريش أصلا ورجعا للنفس الإنسانية تستطيع أن يمنح الدفء للذات.
"ما لذي تحمله في مناقيرها؟
رحلة للجنوب هناك تردّ
إلى ريشها نفسها الصابرة" (ص 27)

يتحول الريش إلى فعل خلق وتغيير، إذ أن الشاعر يخلق في نصّه الشعري حالة يقلب فيها منطق لأشياء التي تتواشج أحيانا مع لمخزون الدلالي للثقافة العربية ولمنها تنزاح في محاولة الشاعر تقديم رؤيته حول اغتراب الذات.
"لدي الليل عند الخطايا مشاعل
فلا يترك الله عبدا له ريش طير
نما في لسانه، ولم تمتلكه
الرياح سوى في احتزانه" (ص 37)

يخاطب الشاعر الأنثى آنفا ويطلب منها أن تلد وفعل الولادة يحيل إلى الإشراق والإيجابية إلاّ أن المولود يدل على السلبية والظلام كما تتقبلها اللغة المعيارية. يأتي بعد ذلك فعل الأمر الطلبي "لدي" ثنائية تؤكد لعلاقة التي تربط الحركة الأولى من السطر الشعري "لدي الليل" وهي "عند الخطايا مشاعل؛. فالخطايا إحالة إلى السلبية أما المشاعل في إحالة إلى الإيجابية، أي النور، ونلاحظ القلب المكاني في تراتبية حركة لسطر لشعري، حيث يبدأ بفعل الولادة وينتهي بالنور/المشاعل. أي أن الليل والخطايا محصوران في الدلالة الإيجابية. هذا ما يؤكده توالي الأسطر الشعرية حيث السطر الثاني يبدأه الشاعر بلنفي لتأكيد إيجابية الفعل "فا يترك"، كما إن نمو الريش على اللسان يعتبر مزاوجة بين فعل الحركة وفعل الكلام كفعل تيير يشتركان في تثوير النص وتقاطبه من حرك الصمت إلى حركة الصوت. كذلك تنعكس هذه بين الفل الإرادي الناتج عن فعل الأمر "لدي" مقابلا للفعل غير الررادي المحال إلى المقدس.

تمتد جدلية الدلالة أيضا بين البحر والريش، حيث أن البحر حيز مكاني يرمز إلى البيئة الرحمية الحميمة في الاحتضان والولادة أما الريش فهو يحمل دلالة جنسية "بقع من ريش".
"عند الريح حكايا عن أعماق
البحر الرطبة، بللها دمع من لون
عيون الأسماك. بقع من
ريش عصافير احتقنت في خديك
المصفوعين. لا تملك تذكرة لتحلّق في
أجنحة النسر. لا تملك كنديلا
لتنشّف عرق البحر" (ص 53).

نلاحظ أن دلالة الريش تنتقل إلى الدلالة اللونية خلافا لما دلت عليه سابقا من دلالة آلية فعلية وتنعكس جدلية الدلالة بين أعماق البحر وبين فعل التحليق، أي بين العلوي والسفلي بحيث أن أسلوب النفي لا تملك تذكرة"، "ل تملك نذلا"، يؤكد انتصار الحكايا باعتبارها تاريخا وذاكرة لا يستطيع الانسان منه فكاكا. تؤكد هذه الثنائية البحر/الأعماق والتحليق/السماء أهمية البحر في النص.
"هلمّوا إلى البحر، في البحر ليل تعثر
وهبّوا ازرعوا في يديه قناديل
زيت، تغطت فروع الدوالي
قطوفا، فليلة أخضر" (ص 56)

يصبح البحر مرجعا أصيلا يشكل الليل فيه حجر عثرة لتكون قناديل الزيت معادلا موازيا لضبابية الليل، ،ذلك حتي يحوله إلى ليل أخضر زي فعل للولادة. مرة أخرى يحصر الشاعر الليل في مدارية النص بين فعل الأمر "هلموا إلى البحر" مخاطبا المجموع ليدل على الولادة وبين دللة اللون اأخضر كإحالة إلى الولادة من جديد. قد تكون هذه الولادة رغم العقبات بداية لمستقبل جديد للذاكرة الجماعية مثلما وظف ضمير الجمع، ثم تبعه بوصف الطفلة الغزية:
"الطفلة من غزة تبني أعشاشا
من ريش البحر، والواقف خلف
السور يخبئ في عينيه قلادة
كم ورق التذكار" (ص 56-57)

تتجلى دلالة الأعشاش كنتيجة لاقران لفظتي الريش والبحر حيث يرمز البحر إلى ماء الحياة أما الريش فيرمز إلى تجسيد الرغبة في الولادة ومن ثم فالعش على صغره يتحول إلى حلم طفلة زية تبنيه في حيز جغرافي صغير لتمنحه بعدا جغرافيا كبيرا كعمق البحر باعتباره عشا رحميا، بالإضافة لى أن الريش يعتبر أحد مكونات العش، وهو يعكس الأنموذج الأول للحياة. تنعكس هذه الجدلية في تقابل لفظتي لطفلة والواقف، رذ أن الطفلة ترمز إلى الغد والمستقبل لذلك فهي معرفة لتحديد المكان أما الواقف خلف السور فه نكرة ويمثل الجيل الماضي الحاضر، لا يملك إلا ورق التذكار والذاكرة. أما لفظة "قلادة" فتحيل إلى القيد ومن ثم فقد تكون الذكرى سجنا يأسر الواقف خلف السور مثلما هو مسجون خلف السور كعائق للتقدم بناء الغد. تتجلى أيضا دلية الدلالة بين الفعلين "تبني" و"يخبئ" ففعل البناء هو فعل إبراز وظهور أما فعل التخبئة فهو فعل انطوائي ذاتي، يفتقد المبادرة والجرأة في تلمس المستقبل.

تتعدد دلالة البحر أيضا عندما يصبح خالقا للشعر وموجدا له:
"في الموج أشعار طواها البحر في
الشطآن طي الفجر للنسيان حين
يفتّح القمر. في الموج أشعار بلا
شفتين كالذكرى اذا احترقت
كلون الماء، ليس يشوبه زيد" (ص 67)

فالشعر هو الجوهر كلون الماء أما الزبد فيذهب جفاء، إنه كاريش لا وزن ولا قيمة له على حين ان الذكرى التي تختزل الذاكرة الماضوية يحتفظ بها البحر كركز للخصوبة والولادة. يقابل الشاعر بين البحر وبين الصحراء في ديوانه رذ نجد ألفاظا تنتمي إلى الصحراء بمفهومها الحضاري الشامل، أي تلك التي تحيل إلى التراث العربي القديم فمنها ما يحيل إلى القرآن الكريم مثل "رياح السموم" ومنها ما يحيل إلى الشعر القديم كشعر الخنساء "قذى بعينها أم بالعين عوار" وقول المنل اليشكري "وتحبه ويحبها" إلخ... مما يجعل الديوان يتناص مع مصادر التراث العربي. لذلك نجد دلية أخرى يحتلها العنوان وصفحته الأخيرة كإحالة إلى البحر ويثبتها المتن كإحالة إلى الصحراء، مما يدل على أن ثمة صراعا بين البحر والصحراء لى محور آخر، إذ قد يرمز ريش البحر إلى الزبد أو إلى المظاهر رذ احتل العنوان وفضاء النص الخارجي، بينما تحيل الصحراء في المتن إلى جوهر تراث الشاعر، وهو يعبر عن هذه الجدلية من الصراع في نبرة تشاؤمية تؤكد اغترابه عن المكان، رذ يجعله مجهولا. وهنا تكمن التناقضية في اختلاف البحر والصحراء من جهة وفي تشابههما بالحتواء وإخفاء ومحو المعالم من جهة أخرى.
"هناك ينتحي الشاعر
جانبا. يرتدي السكينة
ينزرع في الطريق التي تفضي
إلى لا مكان. ينزع معطفه
يضرم به النار ليتدفا بالعراء
فتمر الزشجار أمامه
لا تلقي عليه تحية" (ص 15)

تستمر جدلية الفعل أو اللافعل أو جدلية الحضور في التقابل بين فعل الثبات/الصمت كما يعكسه الفعل "ينتحي" "ينزرع" الذي مثل الشاعر وبين فعل الحركة الذي مثل الأشجار، كذلك بين تضادية النار والعراء أو تضادية الصحراء والبحر.
*

نشر: أسبوعية "فصل المقال"، 10 نوفمبر 1999
***

الجمعة، 27 أغسطس 2010

مرزوق حلبي: الشعر لم يبرح أماكننا

مرزوق حلبي

الشعر لم يبرح أماكننا


لو أنّ النصوص التي تضمها مجموعة "ريش البحر" وقعت أمام ناظريّ بدون توقيع كاتبها، لعرفت هويته. فقط سلمان مصالحة قادر على مثل هذه الصياغات والأفكار والصور، وعلى مثل هذه النصوص. ويخيل إليّ أنه يكتب الشعر مثلما يحكي ويتكلم. تهكّم وسخرية ونزق وغضب ومفارقات ودهشة. وكلها تستند إلى فكرة تشكل هيكلاً تتعمشق عليه الموتيفات الباقية.


نصوص المجموعة متنوعة من حيث مواضيعها وأشكالها لكنها تعكس كلها هذا التنوع والتعدد في الألوان والأطياف وزركشة الفضاءات التي تنشئها فوق رأس المتلقّي.

الملاحظ أن النصوص تعكس الهوية المركبة للشاعر، فلسطينيته وعروبته وإنسانيته. ففي الخانة الأولى يأخذ الشاعر دور الراوي لقصة الألم والحزن والضحيوية. وفي الخانة الثانية يبدو نقديا تزقا غاضبا على قومه والموروث الجمعي وحتى على قواعد اللغة وقوانينها. وفي الخانة الثالثة يطلع علينا صديقا ومتفكرا وشموليًا تتسع مداركه حدود الكون. لكنه في كل هذه الخانات يظهر لنا مرهف الحس يلتقط الإشاراتو يرى المخفي، ويدرك المضمر ويحول كل ذلك إلى صور وإيحاءات ومقولات.

والملفت للنظر هاجس الشعر الذي يسكن النصوص وكاتبها، فنراه يحكي عن حالة الشعر وعن دوي القصيدة. فإذ بالشعر ليس حالة وجد قد تأتي أو لا تأتي كما كان الاعتقاد، وهو ليس إشراقة لمرة واحدة كل عام، بل هي حالة مستديمة، طريقة حياة اختارها الشاعر على ما يترتب عنها من جهد ومعاناة وامتيازات أيضًا.
اللغة، وهي مهنة الشاعر، لها حضور خاص في هذه المجموعة. يبدو أن الكاتب على علاقة وثيقة بها، علاقة ود وعشق وتسمح له باستخدامات غير مألوفة وبحركة حرة بين حاضرها وماضيهاو بين الجديد من صياغاتها وتشكلاتها وبين القديم منها. والشاعر هنا إثبات غير قابل للدحض على أن العلاقة الحبيّة بين الكاتب واللغة شرط أساس لولادة الشعر والصورة الشعرية والإيحاء الشعري.

نقطة الوهن في هذه المجموعة كامنة في النصوص الذاتية النرجسية للشاعر. هناك تتلعثم اللغة ويتوقف الص عن انسيابه. وكان الأجدر بالشاعر لو أبقاها خارج دفّتي المجموعة، فهي تظرف النظر وتجعلالمتلقي يتململ بغير ارتياح ومضطرا لرفع حاجبيه أو تقطيبهما أو الانتقال للصفحة التالية.
هناك جمالية تربط كخيط الحرير الذي ينظم حبات الخرز بينما تحاشر نصوص النرجسية أن تنغرز في الخيط دون جدوى. وحال قصيدة "نداء القصيدة" يشبه حال القصائد الذاتية، ففيها ألوان ابتذال الأمر الذي يجعلها على بعد سنةضوئية من النصوص الأخرى، وبالأخص من النص الذي سبقها بعنوان "وطن الشعر"، فلماذا هذا الانتقال من شامخ عال إلى خفض؟

على أيّ حال، النصوص الواردة واضحة السياق مرصعة بالأمكنة، أمكنة الشاعر وواقعه المولف من دوائر. فله سريره وغرفته وشباكه وسيچارته، والسيچارة مكان الوحيد، وكذلك القهوة العربية. وله القدس حيث يعيش منذ عقدين وأكثر، وله غزّة وله الجليل حيث ولد "بين بحيرة الجليل وبحر الروم"، وله بودابست وسطروچا، وله الصداقة مساحة، وله الغربة حالة.

الشاعر في نصوصه يعيش تحولات وتبدلات ذات ألوان إيحائية تدلنا وتؤشر على ثقافته باعتبارها الفضاء الرحب الذي يتيح السفر والحالة الشعرية، فلا شعر خارج الفضاء الثقافي. الثقافة شرط لتكوين الفضاء الشعري، فالتفعيلة لا تكفي ولا الوزن ولا القافية، وإن كانت تضيف إليه وتزينه.

"ريش البحر"، المجموعة الشعرية الرابعة لسلمان مصالحة تثبت أن الشعر لم يبرح أماكننا رغم كل المتطفلين والراغبين بصداقته عنوة والمدّعين زورا وبهتانا. ولعل من الجميل أن أنهي بما كتبه في قصيدة "وطن الشعر" في الفقرة الثالثة:

"هي كلمة حُبلى ببدء الخلق
فارتقبوا هلالاً طلّ من تشرين
سينفضّ كلّ ما كتبوا، وينفض
كلّ ما دفنوا ببطن اللّيل، وبعد
تفتّق النجمات في كفّيه، سيبحر في
مراكبه التي انطلقت بلا شطآن أو مرفأ،
وحين يعود بعد اليوم أدراجه،
فلن يلوي على أحد، ولن يلوي
على بلد، فليس لجسمه كفن
وليس لشعره وطن".
ــــــــــ

نشر في: أسبوعية "فصل المقال"، 16 يوليو 1999



الاثنين، 23 أغسطس 2010

נכבוש את העולם בלי אף ירייה

נכבוש את העולם בלי אף ירייה


מצאלחה. "כל מהותה של הומלנד היא החילוניות. לא פעמוני כנסייה, לא מואזין, לא תקיעות שופר. הדת תהיה עניין פרטי וייאסר כל ריטואל פומבי. יחול גם איסור מוחלט על מפלגות על בסיס דתי"

A Homeland of all its citizens

A Homeland of all its citizens

Poet Salman Masalha has founded a new nation, one that resembles Israel but is based on universal humanism and embraces the future, not the past.

By Lily Galili


On September 11 this year, presumably unconnected to the date's other connotation, Dr. Salman Masalha stood on the balcony of Jerusalem's King David Hotel and announced the establishment of the State of Homeland. He titled himself visionary of the state - a Druze poet, an Arab by his own definition. Most of all, he was "in place," which is also the title of his new book of poetry. As opposed to Israel, where precise identities are so important, in Homeland they will have neither place nor validity.

That, after all, is the essence of Homeland, where all of us - Jews, Arabs and others - will be "Homelanders" with equal rights and standing. The visionary, by the way, rejects outright the idea of a binational state, which he does not understand at all. But he supports diversity. "If I lived in a country where there were only Arabs, I would go out of my mind," he admits. "I don't want a boring country." Homeland certainly will not be boring. In fact, it will be everything Israel is not. A country where everyone is in place.

Not for nothing did the visionary, who writes his poems in Hebrew and Arabic, choose an English name for his country. "So there would be no burdens to start arguing over immediately," he says. "We are Homelanders, a peace-seeking people. We will go with a name everyone can identify with."

The conditions for becoming a Homelander are very simple. Everyone within the borders of the new country on the day of its establishment will be a Homelander. No Law of Return. No rights from the past, only obligations to the future. "I don't want a past in this place," the visionary says, against the backdrop of Jerusalem's Old City walls. "There is so much past we can't see the future here. Judaism and Islam both emphasize the importance of 'remembering.' We, the people of Homeland, want to forget. Not that we want to delete our private memories, but to start a shared journey from what we have now." He quotes a line from one of his poems: "Oblivion is the beginning of memory."

The visionary at first hesitates to set clear borders for Homeland. Borders always invite controversy. But then he decides a lack of borders is the essence of what is bad about Zionism, and sets them on the spot. The Galilee to the north, Jordan to the east, the Mediterranean to the west, and the desert to the south. These boundaries are flexible but sustainable.

Joining Homeland will be simple, but will carry obligations that could be considered somewhat cruel in their harshness. Even temporary absence from Homeland on the day of its establishment will automatically revoke the right to be a Homelander. Thus, Azmi Bishara's rights would be revoked immediately if he happened to be in Syria the day the state were declared. "Perhaps it suits him there better," says the visionary, who in the way of visionaries, has unbending standards. "After all, he is so impressed by the enlightened Syrian regime."

But Bishara is only an example. The people of Homeland will be very open. "We will spread our beliefs in pleasant ways," the visionary pledges. But how do you say "pleasant ways" in Arabic? "There are no pleasant ways in Arabic," he responds.

The language of the land, Homlandic, will be a combination of Hebrew and Arabic. It will be created on its own, the way of all languages not born of a decision. In any case, the visionary already perceives the two languages leaking into each other. Homeland will not have a head of government but rather a head of the people, whose powers will be very limited - confined mainly to garbage collection, paving roads and building schools. In short, "the country will be like a big municipality. It must be separate from national ethos, which will remain in the realm of the individual. That's what we'll have in Homeland."

Homeland's parliament will not be called the "Knesset," which invokes Israel's parliament, but simply "The Homeland House of the People." Masalha can already imagine the great speeches that will inaugurate it, along the lines of "Homelanders, raise up your eyes." But he immediately backtracks a bit from this pathos, for fear the rest of the sentence will be something like "a people standing tall in its land," which might sneak in from another ethos.

Poetry, not prayers

Carried away on the waves of his vision, he might be willing to establish a new temple, which in Homeland will be called "The Meeting House." Its potential connotations do not deter him, since after all this is completely secular place. The whole essence of Homeland is secular. The high priest will be a fine DJ, and prayers will be replaced by the works of poets.

Will the visionary himself be willing to serve as Homeland's national bard? Humility overtakes him momentarily, but he immediately gets his bearings and says that if urged he will consider it, and perhaps accept the movement's decree. He then refers to the epilogue of his poem: "Serving many gods is the wonder in the poet's soul. There is fire and there is water, earth and also air. But more than all of these, there is the poem."

This, for example, he says, referring to the sound of church bells carried on the wind from the Old City, will be utterly prohibited: "No church bells, no muezzin, no blowing of the shofar." In Homeland there will be complete separation of religion and state. Religion will be a totally private matter, and all public ritual will be forbidden. In keeping with the nature of the state, political parties with a religious basis will be completely prohibited. Even better would be no parties at all. The only party, whose name has not yet been decided, will be based on the platform of universal humanism. "A dictatorship of the liberals," as the visionary defines Homeland's regime, a tone of leaderly threat immediately creeping into his voice. "We are against Western democracy," he states. "It doesn't suit the East." A dictatorship of liberals is in this case the principle that under no circumstances may be compromised.

Homeland will have an army, which the visionary says is realistic. "We are not a pacifistic people. We will stand up for our right to be a free people in our land. Someone must protect our wonderful creation." To the comment that this is exactly what the Jews claim about Israel, he responds that what exists now is not a wonderful creation, since "it treats me like an enemy. Whoever treats me like an enemy - there is no reason not to treat him the same way."

But he pledges Homeland's army will have a different use. "We will not go to war; we will only protect the space in which we live. In any case we will be such an enlightened creation that everyone will simply want to join us. In the end we will conquer the whole world without firing a single shot," he says. "We will join the family of nations and in the future we will be willing to accept any person who believes in the values of universal humanism." When asked whether, at this important juncture, the visionary has not just established Israel as "a state of all its citizens," he answers in the affirmative, but adds one codicil: "A state of all its proper citizens," with a strong emphasis on "proper." "We, the people of Homeland, will be a light unto the nations," he says.

Hebrew for the Semites

Masalha is an expert in using fundamental Jewish legends in surprising ways. At the poetry festival in Metula five years ago, he took part in a session where poets were asked to read the works of other poets. Masalha went up to the dais, and without introduction, his tone serious, recited the anthem of the pre-state underground movement, the Lehi. "Unknown soldiers were we, without uniform - all drafted for life, from the rank only death will release." After the first shock, the words took on new significance, became provocative, subversive. It was as if Masalha had uprooted the familiar, gloomy belligerent legend and co-opted it for his own needs. He declared to one and all that he knew it very well, but would do with it as he pleased, with a certain amount of ridicule.

"I know what this says to people. I like pulling a 'switch' on them," he says. "I very much like this subversiveness."

Beyond his declared fondness for subversiveness, there is in this act a great love for the Hebrew language and a great demonstration of fluency. As opposed to other components of Israeliness to which Masalha feels aversion, the Hebrew language is his. Israel, according to Masalha, is the Jews. Hebrew, on the other hand, belongs to the Semitic region of which he is an inseparable part, and he feels it is his no less than the Jews'. "This is the place for Hebrew and therefore for parts of my heritage too, like the Bible, Christianity and Islam," he says. "Everything that belongs to this place, everything that was and will be, is part of me."

The decisiveness with which he speaks the language sounds almost like a kind of territorial struggle. "Language is also territory," he says. "Writing in literary Arabic is writing in an acquired language, one different than the daily language. Therefore, Arab writers wherever they may be are pan-Arabists - always living in another layer of the language, a layer to which everyone aspires and returns. In that regard I belong to them. It is Hebrew that delimits and strengthens the bond to this small place. In this sense, Hebrew serves as an anti-Zionist tool. Zionism wanted to disconnect the Palestinians from this place, but the language connects them to it. Ownership of the language is also ownership of the place. The homeland is the language, and Hebrew and Arabic are part of my homeland. Despite all the exiles in which one can live here: exile as an Arab, exile as a human being. I live in exile, but that's all right. In Jerusalem, all are in exile as they pass by history. In fact, all of Israel-Palestine is a small wayside inn."

Masalha left his birthplace, the Galilee village of Maghar, more than 30 years ago. He came to study in Jerusalem and stayed. He does not often go back to the village of his birth. He is not comfortable there. Not a great deal is left there of the landscape of his youth, which has become a concoction of concrete and asphalt. "It's no coincidence," he says. "There is a wicked policy to demolish the whole human and cultural fabric in these places." Restoration will come, of course, in Homeland.

Israeliness from abroad

Paradoxically, he found the Maghar of his childhood in a small village in Andalusia, Spain: the scenery, the paths, the houses ensconced in their memories. This was not the only time Masalha's Israeliness was defined, or even imposed on him, when he was abroad. Once it happened in Egypt when he went to a shop in downtown Cairo to buy a coat. In fluent Arabic he explained to the shopkeeper what he was looking for. "With a zipper or without?" the shopkeeper shot back in colloquial Hebrew. Masalha was shocked. "It didn't make me feel bad; I was just very surprised," he says. "Of course she thought I was Jewish, because for them 'Israeli' means 'Jewish.' That doesn't confuse me, but certainly makes me curious. Every identity is defined from the outside. For a person whose identity is clear to himself, that identity can take on any form."

But he heard the purest expression of identity from a Palestinian minister, of all people. In one of his trips abroad, after an embarrassing trek through security and a close examination of a passport heavy with hints indicating its bearer was not Jewish, Masalha met the man in the departure hall at Ben-Gurion International Airport. Masalha had long believed he was the only single-citizenship Israeli left, since all the others had already obtained an additional passport. On the spur of the moment, he approached the Palestinian minister and asked him to get him a Palestinian passport. "That's impossible," the man responded. You're an Israeli."

"I don't know if I'm Israeli," Masalha says. "If Israel does not accept me as Israeli then I am not. Israeli means Jewish, and Israeliness itself does not include me within it, in terms of public discourse. I am an Israeli in one sense - in the freedom of thought no Arab intellectual has in his own country. Jordanian, Syrian or Egyptian Arab intellectuals can express themselves freely only abroad. I can express myself here. That has created a complex relationship to the state that on the one hand segregates me but on the other hand gives me that freedom. But all in all, there is no definition for Israeliness. There is no such animal. You brought a Jewish suitcase from the Diaspora, not an Israeli one. What exactly connects Shas, [Yisrael Beiteinu's Avigdor] Lieberman and the National Religious Party other than the attempt to achieve a common creation within the Jewish tribe? Mohammed Barakeh, Jamal Zahalka and Salman Masalha were never included in this attempt."

Then he hedges his comments: There was one attempt to expand the boundaries of the tribe, he says. That happened when Yitzhak Rabin depended on an Arab bloc for a parliamentary majority. "He broke through the boundaries of the Jewish tribe, in favor of Israeliness," Masalha says. "That is why he was murdered. Rabin was murdered for family honor."

But all of this will in any case be solved in Homeland, where we will all create the new human being. Sound familiar? "It does indeed, Masalha concedes. "We are all brainwashed. In the end, instead of Homeland," he says, in a reference to Theodor Herzl's Altneuland, "we will create Alt-homeland."
***
Published: Haaretz, September 21, 2006

***
For Hebrew, press here

*

الخميس، 13 مايو 2010

‘Not my Mother Tongue’

Hannan Hever

Not my Mother Tongue


"In Place", written by Salman Masalha, obliges its readers to listen acutely to the penetrating poems within, for they demand a rethinking of Hebrew poetry, its possibilities and its borders.


As an Arab poet writing in Hebrew, Masalha reconfigures the ethnic boundaries of Hebrew literature, which appear to be uniform; this literature has set an implicit condition with respect to who may included in it and who may not, a condition marking it as Jewish literature. But when an Arab writer writes in Hebrew, and the Hebrew language does not necessarily signify a Jewish writer, a trail is blazed toward the representation of a wide-open Israeli national identity.

Due to the fact that Arab writers are active in Hebrew literature, and especially since the dramatic appearance of Anton Shammas’ novel Arabesques in 1986, the definition that restricts “Hebrew literature” to “Jewish literature” has been shaken at its very foundations. Readers of Hebrew are obliged to acknowledge one of the direct influences of Israeliness on the definitions and boundaries of Hebrew literature.

Masalha writes with extraordinarily precise sensitivity from the standpoint of a national minority which exists, with reservations, within the canon of Hebrew literature. This stance poses a challenge to the Hebrew canon, through the voice of “the other” which the writer inserts into Hebrew poetry. Masalha’s language is impressive, mature and melodious; he maintains, to a large extent, a consistent voice and ‘correct’ poetics. At the same time, Masalha demonstratively answers Hebrew readers’ expectations that they will find in his work a variety of ‘typical’ Arab writing. In a characteristic move of what [French theorists] Gilles Deleuze and Felix Guattari call “minor literature”, he subverts the foundations of “major literature” in Hebrew, doing so from the inside and in the language of the ruling literature. Masalha creates a language of his own within Hebrew poetry by means of a parody of the poetic Arab stereotype; he creates a sharp tension between what his poetry is supposed to be and what it is.

An outstanding example of this is the poem ‘Anemones: PalestinianSong’, which is “dedicated to [Israeli poet] Zali Gurevitch’s grandmother”:



The lake has long climbed
to the branches of the trees.
The peasant plows the field
with bare feet.
In the dawn hour he does not see
the approach of spring.
The anemones all around
have already bloomed forth
red tile roofs.

The words “have already bloomed forth” have a double significance. They continue “the anemones all around” and they begin a predicate-subject-or-object sequence that ends with “red tile roofs”. Thus the poem, which has a structure that is blunt in its (expected, stereotypical) simplicity, acquires at its end an unexpected complexity that subverts a simple and stereotypical reception of it.

Here, too, humor is Masalha’s weapon as a writer of “minor literature” that subverts the language and the canon within which it operates. A particularly mischievous atmosphere prevails in the poem ‘On the Belief in Amulets as a Means of Making Peace in the Middle East’ which notes in its subtitle that it is “about Jewish-Arab coexistence”. It contains a rhyming pattern which flings down the gauntlet to readers’ perceptions of the boundaries of Hebrew literature as ethnically Jewish, a pattern which is developed in other poems in this book as well: the systematic adoption of a combination of internal rhyme and end rhyme, giving the poem an ostensibly naive melodic regularity. But this melody, for example in the poem ‘Arab Ballad’ presents an orientalist, stereotypical text – turned upside down: that is, a text that is written about the East, but from the direction of the East and not, as usual, from West looking at the East with an orientalist perspective. The subversive poetic stance has its source in the recognition that the poems were written in an atmosphere of violence and death. In the poem ‘Sign of Scorpio’, a self-portrait, poetic diction grows like a bifurcated tongue in the presence of this profound awareness of disaster:


And over the years I also learned
to shed my skin.
Like a snake caught
between scissors and paper.
Thus was my fate sealed
in words cut from the roots of pain.
With a tongue forked
in two. One, Arabic
to keep mother’s memory alive.
The other, Hebrew – on a winter’s night
to love.

The writing of poetry is like the snake’s reaction to the danger it encounters. The scissors press the snake to the paper, a metaphoric act of cutting which results in words that are ‘cut out’, [meaning removed and lost, and meaning also] ‘derivative’, [that is, inauthentic]. The snake sheds its skin – and the response is a tongue which is bifurcated like a snake’s. Masalha splits the language of his poetry, which enables him to address the Hebrew audience [albeit] through a mask. The writing of poetry, then, is a survival mechanism in a violent and impossible situation. The act of poetry enables the poet to survive nonetheless between two split organs while adopting a post-colonialist perspective, an intermediate stage of oppression that operates in indirect ways. And therefore, when he declares a split he does this through the (Hebrew) rhyme of the words meaning ‘guarantee’ and ‘love’ – which in their sound also hark back to the word for ‘pain’. The location of the poet is represented as a violent one from which there is no exit:


It changes so fast,
the world. And for me it’s
now absurd. Things have got
to the point that I’ve stopped
thinking about the fall.
Because, after all, from here,
there’s nowhere to go.
And anyway, even in the park
the trees are uprooted and gone.
And at times like these, it’s dangerous
to go out in the streets.
The road is so wet.
Blood flows in the main artery.


By means of homage to [Israeli poet] David Avidan (“Because, after all, from here,/ there’s nowhere to go”), Masalha interprets the everyday phrase “wet road” as the violence of another kind of liquidity: “Blood flows in the main artery.” Again, this melodious poem ends with the recognition that this location is violent and exitless. In the same way ‘Homeland Hymn’ ends with the line “A land of milk, a homeland flows with curses”, and the poem ‘Caesarian Section’ with “In a back room, the evening undergoes/ a Caesarian section, a homeland . . . raped.” Thus death and its symbols end a number of the poems in the book, also the case in ‘Spots of Color’, (“the pit that is mined”) as well as ‘Self-Portrait’ which ends with the subject of the portrait hanging himself on the wall.

The recognition that Masalha’s poetry is written in a place battered by violence repeatedly elicits bifurcation as the only way to survive in it. In the poem ‘I Write Hebrew’, Masalha writes:


I write in the Hebrew language
which is not my mother tongue,
to lose myself in the world. He who does not
get lost, will never find the whole.

The loss of orientation – linguistic and therefore of identity – is depicted in the poem as the only orientation possible in a world that is replete with violence, and just a step away from the fortuitous recognition, in the same poem, of partners along the way who are relevant for not having defined identities:


I shall
meet many
people. And make them all my friends.
Who is foreign? Who far, who near?
There is no strangeness in the ways of the world.
Because strangeness, mostly,
lies in man’s heart.

The people around him, and especially he himself, do not have defined and particular identities:


As I have no government, with
or without a head, and there is no
chairman sitting on my head, I can
under such extenuating circumstances
sometimes allow myself to be human,
a bit free.

The identity with which the poet chooses to define himself is linked to place by virtue of the fact of his presence as a native there and not by virtue of any national connection: “And I was a Jew, before Jesus walked/ on the Sea of Galilee . . . / And I was a Muslim in the land/ of Jesus, and a Catholic in the desert.” The homeland is no more than an apartment house. This is the case in the poem in memory of Emile Habibi:



In a row of trees immersed in stone,
they planted men, women, a youth. Tenants
in an apartment house called homeland.
Jews whose voices I never heard,
Arabs whom I never understood.
And other such tunes I never knew
how to recognize in the moment that went silent

(‘In Haifa, Facing the Sea’)

Masalha challenges the connection to place that exists by virtue of national identity, as well as the claim that national identity is the one which grants freedom. In the poem ‘Father Too’ he poses an option of autonomous existence with respect to the symbols of the Israeli government – the freedom of someone who exists in the presence of the rulers over the land and despite them:


My father,
who was born on the slope of the mountain
and gazed down on the lake,
never had a passport.
Or even a laissez-passer.
He crossed the mountains
when the borders did not flow
in the river.
My father
never had a passport.
Not because he didn’t have
a land and a seal.
Just because the land
always dwelt calmly
in the palms of his hands.
And just as the land
never slipped from his hands to travel
overseas,
Father – too.

***

First published in Haaretz, March 5, 2004.


***

الجمعة، 16 أبريل 2010

فيليتسيا لانغر - أنا عربي


فيليتسيا لانغر ||

أنا عربي


تُهتُ أكثر من مرّة في خفايا الذكريات. ولكم أدهشتني طبيعتها الناقدة والمتفحّصة وقدرتها المتميّزة في الاحتفاظ بكلّ ما يُسجّل على لوحتها. أحاول أحيانًا أن أمحو من ذاكرتي شيئًا ما يظلّ يزعجني ولكن عبثًا ما أحاول.

زنازين غزّة والخليل، ورِجْلا إبراهيم غرايبة المقطوعتان، وعَيْنا عمر سلامة المذعورتان وقطامش الذي أصاب الشّلل جميع أطرافه فأقعده. كلّ هذه لا تبرح ذاكرتي ولا تُغادرها.

لكن، ثمّة ذكريات حبيبية عليّ، ذكريات أحبّها حقًّا. ذكريات هي غذاء روحي في الساعات الصّعبة تبلّ رمقي، إلى ما هو جميل في الإنسان. تلك هي ذكرياتي عن سلمان. تعرّفت عليه في ظروف عاديّة جدًّا. عرفت فيه شابًّا مثقّفًا وشديد الحساسية وشاعرًا يتعشّق الفنّ. وقد قالوا لي: إنّه "درزي".

كان لقاؤنا الثاني والهام في السجن، الذي زُجّ به بعد أن رفض الخدمة العسكرية. تحدّث إليّ بهم. لم يحطّمه السجن، ولكنّي شعرت بمعاناته. لقد عبّ الكلمات التي تروي ما يحدث في الخارج، عن النضال والأحداث، وأسف لأن ليس بإمكانه المشاركة فيها. وأحسست لمعرفتي للسجون العسكرية، كم هو مهمّ إخراجه منها بالسرعة الممكنة. انتظر سلمان المحاكمة العسكرية. إنّه فَرارِي، رافض للخدمة، وعلمنا أنّ مصيره لن يكون حسنًا.

التقينا في قاعة المحكمة المختصّة في يافا. جاء أصدقاء سلمان كرجل واحد وحضر أيضًا أخوه البكر. أمّا سلمان فكان يرتدي البنطلون الخاكي، الفضفاض بسبب نحافته، ويرتدي القبّعة التي لم تجلس على رأسه بصورة جيّدة. كان يبتسم لأصدقائه، رأيت الاعتزاز على وجهه وفكّرت: فعل السّجن به فعله.

واستمعت المحكمة قبلنا إلى قضايا جنود آخرين. وتتالت المآسي الإنسانية البسيطة واحدة إثر أخرى. فراريّون، اعتادوا على الهروب من الخدمة ليخطفوا بعض أيّام عمل لمصلحة العائلة المحتاجة لكلّ قرش. كانت تفسيراتهم منفعلة، تعتريها صعوبات التعبير وخوف الحكم.

ها هي إسرائيل الثانية، إسرائيل "القبيحين" على حدّ تعبير غولدة، فكّرتُ. وقد دلّت الأحكام القاسية المفروضة عليهم عن توجّه الحاكم لمشاكلهم المؤلمة.

وجاء دورنا. وطُلب من سلمان، المُتّهم، أن يقف وقفة الاستعداد، وقرأ رئيس المحكمة اسمَه وعنوانه. ولاقى صعوبة كبيرة في لفظ اسم القرية "المغار" بشكل صحيح، وأشار "درزي". وعندها قال سلمان بصوت عالٍ، والذي لم أظنّ أنّ لديه مثله: "أنا عربيّ". وخيّم الصّمت على القاعة. ونظر القاضي إلى سلمان بدهشة وقال: "حسب ما أعرفه فإنّ المتّهم درزي"... وابتسم سلمان منتصبًا بقامته في الثياب المضحكة وأجاب: "لا، يا سيّدي، أنا ابن الطائفة الدرزية، ولكنّي عربيّ القوميّة". ورطنَ القاضي بشيء ما، من أنّ الدروز ليسوا عربًا. وأصرّ سلمان على رأيه وأعاد جملته القصيرة والمُغضبة: "أنا عربيّ".

وأظهر قاضي المحكمة، بصورة تظاهرية، عدم صبره، إذ أنّ هذا المستعرب لا يفهم أصول اللّعب المعروفة منذ سنوات للجميع: أنّ السلطة بحاجة لدمهم. ولقاء دمائهم تمنحهم فتات الامتيازات: نقول إنّهم ليسوا عربًا، وأنّهم أفضل بكثير من العرب. وهذا تحديد ذو أهميّة خاصّة وأنّه يشير إلى تفكيرنا عن العرب. وكم من الصعب أن تكون عربيًّا بيننا... مفهوم جدًّا أنّهم حتّى الآن بعيدون عن "أنتَ اختَرْتَنا". إنّهم بكلّ بساطة "قوميّة متوسّطة" ولن يقول لهم أحد "عربي قذر". وهذا المتّهم المسكين، يرفض بوقاحة فتات الامتيازات. ليس هذا فقط، بل إنّه يقفُ أمامي مثل هذا الموقف ومصيره بيدي، أن أعفو أو أحكم، واختياره إمّا الحريّة أو الزنزانة المليئة بالجرذان وذات الرائحة الكريهة حيث لا نهاية لدقائق الساعات.

كنت ملتصقة كليّة بوجه سلمان وملتصقه بعينيه السوداوين الواسعتين المفتوحتين. وُخيّل إليّ أنّه انتظر هذه اللّحظة، وفي زنزانته في السّجن لاطف ودلّل هاتين الكلمتين ليقذف بهما في جوّ القاعة كتحدٍّ للقاضي.

شيء ما فرح وسعيد ملأ أعماقي في هذه القاعة المكتظّة. وأتذكّر كلمات أخد أبطال مكسيم غوركي:

"كلمة الإنسان هي ترنيمة الاعتزاز".


***
فيليتسيا لانغر، من مفكّرتي، تقديم الدكتور إميل توما، منشورات دار الكاتب، القدس 1979
***
صحيفة الاتحاد








الجمعة، 26 مارس 2010

Poetry Is Still Alive

Marzuq Halabi

Poetry Is Still Alive

If the texts included in the volume “Sea Feathers” were to have come into my hands without the author’s name, I could have identified the author immediately. Only Salman Masalha can bring such formulations, ideas, images and these texts.

It seems to me that he writes poetry the same way he speaks, with sarcasm, anger and contrasts, and it is amazing how all these are based on an idea that is well-constructed like a scaffolding on which the other motifs climb. The texts in this volume are varied with respect to subject matter and form – and in all of them all of this variety, which includes colors and ornamentation that are located in spaces that he creates, which envelop the reader.
The most notable thing that arises from the texts is the reflection of the poet’s complex identity – Palestinian, Arab and universal. Under the first rubric, he fulfills the role of the narrator who sets forth the pain, the agony and the life-story of the victim. Under the second, he is full of anger at his people and their collective heritage, as well as the rules of the language and its grammar. Under the third rubric, he appears in the character of a close friend who brings up world-embracing questions and thoughts.

From all these rubrics, he looks out at us will a great deal of feeling, gathering all the implication, seeing what is hidden and understanding what is hidden and making all this into images and indirect references as well as into direct and explicit statements.

It should be noted that he question of the essence of poetry occupies the poet, and this is evident in the texts. He talks about poetry, with all its echoes in the space of the world. Poetry, then, is not sentimental emotional state that occurs or doe not occur in the world, as we believed, but is rather a permanent state of mind, a way of life that the poet has chosen for himself. Language, which is the poet’s trade, is particularly present in this volume and it appears that there is a close relationship between the poet and his language, a relationship of love that allows him to use it in unfamiliar ways and he moves freely between the present of the language and its distant past, between the new and the old. The poet here is proof that that the relationship of love between a poet and his language is a necessary condition for the engendering of poetry. The poet as reflected in his texts lives many transformations that indicate cultural richness, as this is the space that allows for the journey and the poetic situation. There is no poetry outside the cultural space and education is a condition for the existence of this space.

Salman Maslaha’s “Sea Feathers” is proof that poetry is still alive in our country, despite all those who have pretensions of belonging to this world of poetry.


Published in: Fasl al-Maqal, Nazareth, July 16, 1999

الاثنين، 1 مارس 2010

The Power to Free Birds

Ronny Someck

The Power to Free Birds


On: "In Place", Am Oved, 2004.


"In Place," Salman Masalha's book of poems, is written at the juncture where my Arabic language kisses my Hebrew language. "I am an Arab poet," and the next poem in the collection begins "I write in the Hebrew language, / Which is not my mother tongue …"

In any case, Salman Masalha's language of poetry is very precise in its ability to lay the paving stones on which he will dance his tango. "An Arab," he writes in one of the poems, "walks beside the wall. He carries / cans of preserves on his back / through Jerusalem's streets. // A Jew / walks past, /grips, in both hands, a Siamese cat / and wails." The distance between "cans of preserves" and "Siamese cat" shrinks considerably in Salman Masalha's poems. He succeeds in leaving in all the question marks and adding the colors that are in the twilight zone between black and white. Sometimes the statement is direct and sometimes it paves a very private path for itself, as for example in the poem "Cage:"

"On the palm of her hand the others drew / the lines of a cage, where they imprisoned / her life story. / And, son of Arabia that I am, / I hate an imprisoned bird. / Each time she / gave me her hand, I erased a line. // And released birds." In this wonderful poem, the esprit de corps (And, son of Arabia that I am") works overtime. It can also be read as an ars poetica poem and learn from the imprisoned birds about the imprisoned words the moment before they are released to become a poem. But above all this is a love poem. Usually love is perceived as a mutual agreement to enter a metaphorical cage together (see, for example, "Georges Moustaki's "Ma liberté"). In "Cage" the love is strengthened by the man erasing the remnants of the previous cages in which the "biography" of the beloved have been imprisoned.

Another wind that blows between the lines is the wind of humor. In "The Poem About Maya," he describes "the line that stretched through air / between her lips and my ear." This is the line between the enchanting naïveté of the young girl "who asked me to write a poem / about her" and the seriousness of the poet who has allowed the sorrow of the world to rest on his shoulder. Further on, once he is persuaded, he will say "That's the position / when a poet gets caught / with paper / in times of transition."

"Times of transition," which tickles the funny bone in "The Poem About Maya" is, in my opinion, in a different context the black box of the poems in this book. Masalha does not cease his examination of the transitions between village and city and between language and language. "On what will love spin in the lazy summer haze?" he asks in his poem "Dream," and answers: "On a poem and a flame and holes inside the shade.' This sharp transition between "flame" and "the shade" is the poetic muscle of his poetry. The ability to stand at the border station and paint with great power with the same pen. And what about the color of the ink? He has called one of his poems "Black, But Green."


Published in: Itton 77, No. 291, June 2004
***

On the Wings of Freedom

Sabah Zwein

On the Wings of Freedom

On "Khana Farigha" (Blank Space)

Salman Masalha’s language is characterized by the pushing of the self far from the banal. The language presents itself to the reader, sure of itself, quiet and different. The difference is in the constant orientation that the poet adopts in the work of constructing the poetic expression, which seems ostensibly familiar but in truth is truly striking.

In Masalha’s poetry we feel as though it were a storm wind that is blowing without taking into account what it will leave behind. Salman Masalha’s language is a fortress that he places in face of the tribulations raging all around. He does not describe, but rather states the details of life from within a profound perception in which there are intense emotions mixed with the idea of death, the hidden and the unknown. He does not address the everyday, even if in a quick reading we might think that he adopts this sort of discourse. He goes forth from within a personal and surprising articulation and takes off in order to glide alone in the skies of poetry, equipped with the wings of freedom. He does not belong to any flock and he sounds only his own song. He seeks truth and pursues new fields and when he returns to the forest he finds only an old nest, and even the tree in the forest no longer recognizes him. The love of the journey to the unknown causes death to grow in his wings, cause the search for a woman.


The poet mourns the loss of place and the loss of meaning. When he notices the “dry branch,” he seems to come to the realization of the difficult and bitter reality, as it has not remained the same land and the same place, with the precious memories. This is the reality of death in the homeland, or life in the unknown homeland.

Nostalgia leads the poet to distant realms, to realms that belong to the distant past, to distant memories and a distant heritage. The waves bear him and throw him onto shores of primal sands, and at the same time place him in the erupting nature that never rests for a moment nor reveals his identity to him. “Hidden, like Bedouin love, the winds of madness blew over me, letting me lean on the trunks of palm trees, eternally tied, I would return to the empty desert like one whose entire search is in vain, apart from the faded splendor.”

If the writing of poetry cannot be devoid of nostalgia, and every poet expresses this in his own way, then Masalha serves it up with a light hand. He writes his nostalgia in a realistic way by means of presenting the idea in clear words and sentences and with great economy. He does not go on at length, and he keeps away from whining. He relies on his roots, dreams about them and it appears that he is burning with longing for those roots.

At the same time, Maslha lives the present. Ostensibly, he seems not to care. Is this really the case? Even though it appears that he is free of this flood, often stream of feeling flow from him that suffice to set the landscapes around him on fire. At the same time, he takes care to control his language so that it will not deviate from the fortress he has built for himself, so that the language will continue to reside within the wall of beauty that is carved in a sensitive way. “As I lie on my back with nothing beneath me to protect me from my sorrow, I cannot see above me anything but the night I have brought down, shards of ancient countries at my feet. If I come to build the house of our love in you, keep the house and be.”



Published in: An-Nahar, Beirut,June 26, 2002
***

تحليق بجناحي الحزن


صباح زوين ||

تحليق بجناحي الحزن



لغة سلمان مصالحة اقصاء للذات عن الذات وعن المتداول. تقدم نفسها إلى القارئ واثقة، هادئة، مختلفة وأعني بالاختلاف الاتجاه الثابت الذي يتبناه الشاعر في بناء تعبيره الذي يبدو أليفًا للوهلة الأولى، لكنه في الواقع صدامي وقاس. يشعرنا بقوة لغوية، كأنها ريح تهبّ عنيفة، غير مكترثة بالأثر الذي تخلّفه وراءها.

لغة سلمان مصالحة حصن يرفعه الشاعر في وجه ما يصدمه. لا يصف بل يقول أشياء الحياة من خلال نظرة عميقة تخالجها أحاسيس مكثفة ممزوجة بفكرة الموت والمجهول. لا يلجأ إلى الكلام على اليومي، وإن بدا في قراءة سريعة أنّه يتبنّى هذا النوع. ينطلق من صيغة فردية وفجائية، طائرًا منفردًا يحلّق في سماء القصيدة بجناحين طليقين. لا ينتمي الى سرب ولا يغرّد الا بصوته. يبحث قلقًا عن الحق "(...)بحثًا عن حقول اكتساح جديدة، عاد الى الغابة الوارفة، فلم يجد على الفرع اليابس عشًّا قديمًا، ولم تعرفه الشجرة (...) عشق السفر الى المجهول، أنبتَ الريش في جناحيه، الموت، والبحث عن صديقة".

يتألم الشاعر من غياب المكان والمعاني. كأنه يتنبه من خلال "الفرع اليابس" الى الواقع ومرارته، حيث لم تبق الأرض الأولى ثمينة الذكريات. إنّه "الموت في الوطن"، بل العيش في وطن المجهول، في أرض الغياب. الحنين يقتاد الشاعر أبعد من جغرافيته المادية، نحو مدارات تنتمي الى ماضٍ وإرث وذكريات. يرميه موج الزمن على شاطئ يعيده الى رمل البداية والبداوة، ويضعه في الوقت عينه في أحضان طبيعة لا تستقر في ذاته اذ لا تفصح له عن هويتها ولا عن حقيقة مداها: "خلسة، وكما عشق البداوة، كانت تهبّ عليّ رياح الجنون، تهبني من لدنها فرصة الاتّكاء على أصول النخل. وبخفّي حنين المطوّق طوق الحمام، كنت أعود الى رُبعي الخالي، إلاّ من الأمجاد البوالي".

إذا كانت الكتابة الشعرية لا تخلو من الحنين، فكل شاعر يعبّر عنه بلغته الخاصة، ويأتيه مصالحة متخففًا من أثقال الجوف وكثافته المضنية. يقول حنينه في "واقعية" ركيزتها نثر الفكرة في كلام واضح ومقتضب. لا يسترسل وينأى عن الحزن والكآبة. يتكئ على جذوره، يحلم بها، ولعلّه يحترق بشوق رؤيتها.

لكنّ مصالحة يرى نفسه كذلك ابن زمنه ومشاعر عصره فيبدو على غير اكتراث هل هو حقاً غير مكترث؟ إن بدا احيانًا متحرّرًا من الفيض الداخلي، فإنه يتدفق أحيانًا أخرى بشلال من الانفعالات الكافية لإشعال الصور. ورغم ذلك، لا يغفل عن مراقبة لغته كي لا تتعدّى الحصن المكين الذي بناه، وكي تبقى اللغة ضمن السور الجمالي المصقول صقلاً رهيفاً: "حين أستلقي على الظهر بلا قاعٍ يَقيني من شجوني، لا أرى فوقي سوى الليل الّذي أسدلته وشظايا من بلاد البدء دوني. إنْ أنا جئت لأبني فيك بيتًا من هوانا، فاحفظي البيت وكوني".


(*) "خانة فارغة" لسلمان مصالحة ، صدر في منشورات "زمان"، القدس، .2002

نشرت: "النهار" أدب فكر وفن / الاربعاء 26 حزيران 2002
***

الجمعة، 19 فبراير 2010

Double Agent in Hebrew

Omri Herzog

Double Agent in Hebrew


"In Place," by Salman Masalha, Am Oved, 70 pp.

… I asked myself, what poetic and political task is given to someone who writes in a language that his not his mother tongue.

In 1975, the French intellectuals Gilles Deleuze and Felix Guattari coined the term "minor literature" in the context of their study of Franz Kafka: They argued that the major effect of a "minor" text, i.e. one that is written in a language that is not the original language of the writer's culture, is of de-territorialization, meaning a physical shift or change of direction that the text undergoes from the original language to the language of exile or the language of the new territory. The minor text does not have a place of its own: it functions in a space that is between given spaces – the space of the source language and the space in which the work is a visitor. The first book in Hebrew by poet and literary scholar Salman Masalha, "In Place," presents this movement: "I write in the Hebrew language / which is not my mother tongue / to lose myself in the world. He who does not / get lost, will never find the whole;" and this movement in turns creates a poetic experience that is rare in the complexity of its language, emotion and consciousness. This slim book of Hebrew is, to my taste, a masterpiece.

The unique language status of Masalha's poetry allows the conduct of negotiations with the fluid political relations that define the rules of belonging to the communal landscapes that are inherent in the Hebrew language. These are relations of negotiation that constitute a political burden – which can sometimes overwhelm certain minor works – but can also afford a creative privilege, because the poetic manipulation is carried out not on stable and pre-known language materials, but rather on the fact of their permanence and familiarity. Masalha's poems devote themselves to a double alienation effect: that which is inherent in the poetic medium itself and that which is inherent in the use of every routine of description or grammatical construction that sets it in motion. Masalha, the double agent of the speaker in the language, exploits it in a finely tuned, self-aware and sophisticated way, and enlists extraordinary creative and expressive freedom. He writes: "As I have no government, with / or without a head, and there is no / chairman sitting on my head, I can / under such extenuating circumstances / sometimes allow myself to be human, a bit free."

***

الثلاثاء، 26 يناير 2010

حنان حيڤر || الكتابة بلسان متشعّب



حنان حيفر


الكتابة بلسان متشعّب


المجموعة الشعريّة "إحاد مكان" (عبرية: אחד מכאן) الّتي كتبها سلمان مصالحة، تجبر من يقرأها على أن يصيخ السّمع إلى القصائد الثّاقبة الّتي تضمّها، إذ أنّها تتطلّب من القارئ إعادة تفكير بالشّعر العبري، بإمكانات هذا الشّعر وبحدوده.


كشاعر عربيّ يكتب باللّغة العبريّة يرسم مصالحة من جديد حدودَ الأدب العبري الإثنيّة، تلك الحدود الّتي تبدو متجانسةً وأُحاديّةَ الطّابع. إذ أنّ الأدب العبري يضع بصورة دائمة شرطًا خفيًّا، غير أنّه شرطٌ صارمٌ، للتّعامل مع كلّ من يشمله أو لا يشمله هذا الأدب، وهذا الشّرط يشير إلى كون هذا الأدب أدبًا يهوديًّا. ولكن، عندما يكتب أديب عربيّ باللّغة العبريّة، وعلامات اللّغة العبريّة في كتابته لا تشير بالضّرورة إلى كاتب يهودي، فإنّ الطّريق إلى تمثيل هويّة هذا الأدب القوميّة تنفتح على مصاريعها.

إنّ مجرّد وجود نشاط لأدباء عرب في الأدب العبري، وبشكل دراماتي - ظهور كتاب أنطون شمّاس »عربسك« في العام ٦٨٩١ - يغيّر بصورة جذريّة التّعريفَ الّذي يحصرُ مصطلحَ »الأدب العبري« ضمن نطاق "الأدب اليهودي"، كما يُلزمُ قرّاءَ العبريّة على الاعتراف بأحد التأثيرات المباشرة لـ »التّجربة الإسرائيليّة« على تعريفات وحدود الأدب العبري.

سلمان مصالحة يكتب بحساسيّة متناهية ودقيقة من موقع الأقليّة القوميّة التي تعيش بصورة متحفّظة داخل "فَقَار" (canon) الأدب العبري. هذا الموقف يعود ويتحدّى الفَقَار العبري، من خلال الصّوت الآخر الّذي يُدخله الكاتب إلى لغة الشّعر العبري. إذ أنّ النّسيج اللّغوي لدى سلمان مصالحة يخلق لغةً شعريّة مُدهشة ومُبلورة وصوتًا شعريًّا موسيقيًّا؛ كما أنّه يحافظ بشكل كبير على تجانس هذه اللّغة وعلى كونها لغة شعريّة "صحيحة".

لكن، بفعله هذا، فهو يستجيب استجابة تظاهريّة إلى توقّعات القارئ العبري الّذي ينتظر العثور على صيغة كتابيّة عربيّة تبدو للوهلة الأولى "نموذجيّة". ومن خلال عمليّة مميّّزة، لما أطلق عليه كلٌّ من جيل ديلز وفليكس چواطاري اسم "الأدب المينوري"، فهو يقوم بضعضعة وتقويض الأسس الّتي يقوم عليها "الأدب الماجوري" العبري، وذلك من خلال عمله داخل هذا الأدب وفي لغة هذا الأدب المسيطر. يقوم مصالحة بابتداع لغة خاصّة به داخل لغة الشّعر العبري بواسطة كتابة پاروديا على النّظرة النّمطيّة لشعريّة عربيّة متوقَّعَة منه، وهكذا فهو يخلق توتّرًا شديدًا بين ما هو من المفروض أن تكون قصيدته وبين ما هي بالفعل.

مثال بارز على ذلك هي قصيدة "شقائق نعمان: قصيدة فلسطينيّة"، المهداة إلى جدّة زالي چوريڤيتش. في هذه القصيدة ثمّة صدى لمنمنمة ياپانيّة تنتهي بقفلة تضمينيّة:

البحيرة تَسَلّقَتْ مُنذُ أَوانٍ بعيد
فُروعَ الشّجَر.
الفَلاّحُ يحرثُ الحقول
حافيَ القَدَمين.
لا ينتبهُ ساعةَ الصّباح
إلى الرّبيع المقترب.

شَقائقُ النّعمان حَوالَيْه
قَدْ أزهرتْ
سُطوحَ قرميد. (ص 42)

للتّعبير "قد أزهرت" موقعٌ مضاعَف: إنّه يُكملُ جملة "شقائق النّعمان حواليه / قد أزهرت"، كما أنّه يبدأ جملة أخرى "قد أزهرت / سطوحَ قرميد". وهكذا فهذه القصيدة ذات المبنى البسيط إلى حدّ بعيد (المُتوقَّع، وذي الطّابع المُنَمَّط) تحمل في نهايتها تعقيدًا غير متوقَّع يُضعضعُ استيعابها المُسَطَّح والمُبسَّط النّابع من نظرة مُسبقَة نمطيّة.

هنا أيضًا تُشكّلُ السُّخرية سلاحَ مصالحة ككاتب لـ "أدب مينوري" يقوم بضعضعة اللّغة والفَقَار الّذي يعمل فيه. ينهي مصالحة القصيدة الأولى في الكتاب بعنوان "پريحاه" (وهي مفردة عبريّة لها دلالة مضاعفة إزهار، أو طَفَح) بواسطة وَقْعَنَةٍ (realization) للتّعبير الشّائع في اللّغة العبريّة الدّارجة "يُسبّبُ لي طَفَحًا" (بمعنى: يثيرُ أعصابي)، حيث يتحوّل التّعبير إلى تعامل مباشر مع المشهد الإسرائيلي الآخذ في الفراغ من حوله. في مقابل النّقص والعدم اللّذين يخيّمان على المشهد، يقف الخريف والعصف اللّذان "يجرحان النّفس كما الموسى،/ وُيسبّبان طفحًا في العينين" (ص ٧). الطّفحُ في العينين يُغَيِّرُ بشكلٍ ساخر مشهدَ الأشجار والإزهار الّذي من المفروض أن يكون موجودًا وملء العينين، إلاّ أنّه بات في عداد العدم.

روح ساخرة بصورة خاصة تُخيّم على القصيدة الّتي تحمل عنوان "عن الإيمان بالتّمائم كوسيلة لإحلال السّلام في الشّرق الأوسط"، والّتي تشتمل على عنوان ثانويّ "قصيدة عن التّعايش اليهودي العربي" (ص 34). هذا القالب النَّصّي الّذي يُضعضعُ مفاهيم القارئ المتعلّقة بحدود الأدب العبري، اليهودي من النّاحية الإثنيّة، يتطوّرُ في بعض قصائد الكتاب من خلال تَبَنٍّ ثابت لمبنى مُقَفّى يدمج بين قافية داخليّة وقافية خارجيّة، ما يُضفي على القصيدة تناغُمَها الثّابت، والّذي يبدو ساذجًا ظاهريًّا.

غير أنّ هذا النّغم - على سبيل المثال، في قصيدة "بالادة عربيّة" - يعرضُ نصًّا استشراقيًّا، ذا طابع مُنَمَّط، مقلوبًا رأسًا على عقب؛ وبكلمات أخرى، إنّه نصّ مكتوب عن الشّرق ولكنّه يأتي من جهة الشّرق وليس، كما هو معهود، من جهة الغرب الّذي ينظر إلى الشّرق نظرة استشراقيّة:

صاعدٌ إلى قمم الجبال،
كما أغنية تأتي وتروح،
في قرارة ذاته يُغنّي.
النّفسُ - حطامٌ وخواء.

عدّ آلاف اللّيال.
ولم يأت السَّحَر.
وفي شعاب الصّحراء
تقطّرَ عرقُ الرّمال. (ص 71)

إنّ مصدر هذا الموقف الّذي يظهر جليًّا في القصائد والذي غايته الضعضعة والتقويض هو الإدراك العميق بأنّ هذه القصائد تُكتَب في وضع من العنف والموت. في قصيدة "برج العقرب"، وهي قصيدة تقوم برسم صورة ذاتيّة، فإنّ النّبرة الشّعريّة تنمو كما لغة تتشعّب إزاء وعي عميق بوجود كارثة:

وعلى مرّ السّنين، تعلّمتُ
أن أسلخَ عنِّي جِلْدِي.
كما لو أنّني ثعبان سُبِيَ
بين مقصّ وأوراق.
هكذا حُتم مصيري
بكلمات مشتقَّة من جذور
الألم. مع لسان بشعبتين،
واحدة عربيّة - تحفظ ذاكرةَ
الأمّ. ثانية عبريّة - في ليالي
الشّتاء للحُبّ. (ص 21-31).

كتابة الشّعر هي كردّ فعل الثّعبان إزاء الخطر الّذي وجد نفسه فيه. يُلصقه المقصّ إلى الورق فتأتي نتيجة القصّ الإستعاري على شكل "كلمات مشتقّة". يخلع الثّعبان جلده في مواجهة الخطر - فتكون النّتيجة لغة تتشعّب شعبتين، كلسان الثّعبان. يخلق مصالحة انفصالاً داخليًّا في لغته الشّعريّة، ما يتيح له التّوجّه إلى الجمهور العبري من وراء قناع. إنّ كتابته الشّعريّة هي ما يمكّنه من البقاء بقوّة بين عضوين متشعّبين من خلال تبنّي تَصَوُّرٍ ما بعد كولونياليّ، وهي حالة وسطيّة للاضطهاد الّذي يعمل بطرق غير مباشرة. ولذلك، فهو عندما يعلن عن التّشعّب والفصام فإنّما يفعل ذلك بواسطة تقفية، أو تسجيع التّناقضات في مفردتي "الحفظ" و"الحبّ"، اللّتين تنضمّان إلى "الألم"، وهي جميعًا مفردات متساجعة في العبريّة.

إنّ تمثيل المكان الّذي يكتب منه الشّاعر هو تمثيل لمكانٍ عنيف لا مخرج منه:

ما أسرعَ تَغيُّر العالَم.
وعندي، بلغَ السّيلُ
الزُّبى. آلت الأمورُ إلى
حالٍ عدلتُ فيها عن
التّفكير بالخريف.
لأنّه، من هذا المكان،
لا يوجد إلى أين نروح.
ومن الحديقة، اقتُلعت
الأشجارُ، وغابت في العدم.

وفي هذه الأيّام،
خطرٌ الخروج للشوارع
في البلاد. الشّارعُ
رطبٌ للغاية.
دم يسيلُ في الشّريان
الرّئيسي... (ص 40)

من خلال لفتة تجاه داڤيد أڤيدان "لا يوجد إلى أين نروح..." يقوم مصالحة بفكّ رموز التّعبير الشّائع واليومي "شارع رطب" بوصفه عنفًا نابعًا من رطوبة أخرى. "دم يسيل في الشّريان الرّئيسي". ومرّة أخرى، تنتهي هذه القصيدة المموسقة بالوعي بأنّ هذا المكان هو مكان عنيف مسدود المخارج. وهكذا أيضًا يُنهي قصيدة "قصيدة وطن" بـ "بلادٌ تدرّ الحليب والعسل، ووطن مشئوم" (ص 41)، وعلى هذا المنوال ينهي قصيدة "عمليّة قيصريّة": "في غرفة خلفيّة، يمرّ هذا المساء/ عبر عمليّة قيصريّة، وطنٌ مُغتَصَب". (ص 31). وهكذا ينهي الموتُ ورموزه عدّة قصائد في هذه المجموعة. كذا أيضًا في قصيدة "بُقَع ألوان" الّتي تنتهي بـ "الحفرة الفاغرة فاها" (ص 8)، وهكذا في "صورة شخصيّة" الّتي تنتهي بتعليق صاحب الصّورة نفسه على الحائط.

الوعي بكون هذا الشّعر يُكتب في مكان مصاب بداء العنف يعود فيطرح حالة التّشعُّب والفصام كطريق وحيدة للبقاء. ففي قصيدة "أنا أكتب العبريّة" فهو يكتب:

"أكتب باللّغة العبريّة،
الّتي ليست لغة أمّ لي،
كي أضيع طريقي في هذا العالَم.
مَنْ لا يُضيعُ طريقَه، لن يعثرَ على الكمال". (ص 51)

فقدان وإضاعة الوُجْهَة (orientation) - للغة وللهويّة من بعدها - تظهر في القصيدة بوصفها الطّريق الوحيدة للوُجهة في عالَم مليء بالعنف، ومن هُنا فهو يصبح قاب قوس أو أدنى من تشخيص عشوائيّ وعَرَضِيّ لشركاء الدّرب، ذوي الصّلة بالموضوع وغير المزروعين في هويّة محدَّدة: "وسألتقى بأناس/ كثيرين. وسأجعلهم جميعًا زملائي./ من ذا الغريب؟ / من ذا البعيد والقريب؟/ لا غربة في تفاهات الدّنيا / لانّ الغربة في الغالب/ تكمن في قلب الإنسان" (51-61). الحاضرون من حوله، وعلى وجه الخصوص هو ذاته، ليسوا ذوي هويّة محدّدة ذات خصوصيّات واضحة المعالم:

لأنِّي لا حكومةَ لي،
مع أو بلا رأس، وليس لي
من رئيس جاثمٍ فوق رأسي.
أستطيع، في هذه الظّروف الشّفيعَة
أن أكون حرًّا بعضَ الشّيء« (ص 24)

فالهويّة الّتي يختار أن يُعرّف فيها ذاته، تتّصل بالمكان من مجرّد الحضور الأصلانيّ فيه، وليس من خلال هويّة قوميّة أيًّا كانت: »وكنتُ يهوديًّا، قبل أن يعومَ يسوعُ على مياه طبريّة (...) وكنتُ مُسلمًا في بلدِ المسيح، وكاثوليكيًّا في الصّحراء" ص 56-57).

فليس الوطن سوى بناية سكنيّة متعدّدة الشّقق، كما في قصيدة لذكرى إميل حبيبي:

في صفّ الأشجار الغارقة في الصّخور
إنزرع رجال، نساء ووجوم. قاطنو
بيت الشّقق المسمّى الوطن.
يهود لم أسمع صوتهم،
عرب لم أفهم كنههم،
ومعزوفات لم أعرف تشخيصها
في اللّحظة الهامدة. ... (ص 26)

سلمان مصالحة يتحدّى العلاقة القائمة مع المكان، تلك الّتي تستند إلى هويّة قوميّة، ويتحدّى الإدّعاء القائل بأنّ الهويّة القوميّة هي الوحيدة الّتي بوسعها أن تمنح الفرد الحريّة. ففي قصيدة »أبي أيضًا« فهو يطرح خيارًا لوجود مستقلّ مقابل رموز السّلطة في البلاد - إنّه يطرحُ خيار حريّته هو الّذي يعيشُ في مواجهة مع حكّام البلاد، ورغمًا عن أنوفهم:

لأبي الّذي ولد في سفح الجبل
ونظر إلى البحيرة، لم يكن أبدًا
جوازُ سفر. ولا حتّى تصريح عبور.
لقد تخطّى الجبال، حينما
لم تجرِ الحدود في النّهر.
لأبي لم يكن في الدّنيا
جوازُ سفر، ليسَ لأنّه
بلا أرضٍ أو بصمات، بل
لأنّ الأرض سكنت باطمئنان
في راحتيه. ومثلما لم تهرب
الأرض من راحتيه، وتمضي إلى
ما وراء البحار،
أبي- أيضًا. (ص 52)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حنان حيفر: هو باحث وناقد إسرائيلي بدرجة بروفيسور في موضوع الأدب العبري في الجامعة العبرية في القدس. نُشرت المقالة العبريّة في ملحق كتب لصحيفة “هآرتس”، 3 مارس 2004.

عن المجموعة الشّعريّة العبريّة للشّاعر سلمان مصالحة، إحاد مكان -In Place- والّتي صدرت عن دار النّشر عام عوڤيد، تل-أبيب 2004.

نقلاً عن العدد 25 من مجلّة "مشارف" الحيفاوية.

לשון מתפצלת

חנן חבר

לשון מתפצלת


ספר השירים "אחד מכאן", שכתב סלמאן מצאלחה, מחייב את קוראיו לחדד את הקשבתם אל השירים החודרים שבו, שכן הם דורשים חשיבה מחדש על השירה העברית, על אפשרויותיה ועל גבולותיה.

הכוח לשחרר ציפורים

רוני סומק

הכוח לשחרר ציפורים

"אחד מכאן", ספר שיריו של סלמאן מצאלחה, כתוב בנקודת המפגש בה שפתי הערבית נושקות לשפתי העברית. "אני משורר ערבי" הוא אומר בשיר אחד, והשיר הסמוך לו מתחיל בשורות "אני כותב בלשון העברית,/ שבשבילי איננה שפת אם...". בכל מקרה, שפת השירה של סלמאן מצאלחה מצליחה לדייק מאד ביכולת לרצף את המרצפות עליהן ירקד הטנגו. "ערבי", הוא כותב באחד משיריו, "הולך ליד הקיר,/ נושא על גבו/ קופסאות שימורים/ ברחובות ירושלים.//יהודי/ חולף על פניו./ לופת בשתי ידיו/ חתול סיאמי/ מילל." המרחק בין "קופסאות השימורים" ל"חתול הסיאמי" מתכווץ מאד בשירי סלמאן מצאלחה. הוא מצליח להשאיר את כל סימני השאלה ולהוסיף את הצבעים מאזור הדמדומים שבין שחור ללבן.

לפעמים האמירה ישירה ולפעמים היא סוללת לעצמה דרך פרטית מאד, כמו ,למשל, בשיר "כלוב":
"על כף ידה ציירו האחרים/קוים של כלוב, וכלאו בו/את קורות חייה. ואני/בהיותי בן ערב, שונא/ציפור בשבי. בכל פעם / שנתנה לי את ידה,/ מחקתי קו.// ושחררתי ציפורים". בשיר הנפלא הזה גאוות היחידה ("ואני ,בהיותי בן ערב") עובדת שעות נוספות. אפשר לקרוא אותו גם כשיר ארס-פואטי וללמוד משבי הציפורים על שבי המלים רגע לפני שהן משתחררות להיות לשיר. אך יותר מכל זהו שיר אהבה. בדרך כלל, נתפסת האהבה כהסכמה הדדית להיכנס יחד לכלוב מטפורי (ראו ,למשל, את "את חרותי", שירו של ג'ורג' מוסטקי). ב"כלוב" מתחזקת האהבה בכך שהגבר מוחק את שרידי הכלובים הקודמים בהם נכלאו "קורות חייה" של האהובה.

רוח נוספת הנושבת בין השורות היא רוח ההומור. ב"השיר על מאיה" הוא מתאר "את הקו שנמתח באויר/ בין שפתיה לאזני". זהו הקו שבין התמימות המקסימה של הילדה "שבקשה שאכתוב עליה" לבין רצינותו של המשורר שהרשה לצער העולם לנוח על כתפיו. בהמשך, כאשר ישתכנע, הוא יגיד "ככה זה כשתופסים / משורר עם נייר / בעונת מעבר".

"עונת מעבר" המעוררת הומור ב"השיר על מאיה" היא ,לדעתי, בהקשר אחר גם הקופסא השחורה של שירי הספר. מצאלחה לא מפסיק לבדוק את המעברים שבין כפר לעיר שבין שפה לשפה. "על מה תסב אהבה/בקיץ העצל?" הוא שואל בשירו "חלום" ועונה:"על שיר ולהבה /ועל חורי הצל". המעבר החד הזה שבין "להבה" לבין "הצל" הוא השריר השירי של שירתו. היכולת לעמוד בתחנת הגבול ולצייר בכוח רב באותו עט. ובקשר לצבע הדיו? לאחד משיריו הוא קרא "שחור, אבל ירוק".

____

פורסם ב: עתון 77, מס‘ 291, יוני 2004

***

סוכן כפול בעברית

עמרי הרצוג

סוכן כפול בעברית


בין הקריאה בוורף ובמצאלחה עלתה בי השאלה, איזו מטלה של חירות פואטית ופוליטית נתונה בידי מי שיוצר בשפה שאינה שפת אמו. ההוגים הצרפתים דלז וגוואטרי נדרשו ב-1975 לסוגייה הזאת וטבעו את המושג "ספרות מינורית" במסגרת מחקרם על קפקא; הם טענו שהאפקט המרכזי של טקסט מינורי, כלומר זה שנכתב בשפה שאינה שפת המקור התרבותי של היוצר, הוא של דה-טריטוריאליזציה, משמע התקה או תפנית פיסית שעובר טקסט משפת המקור לשפת הגלות או לשפת הטריטוריה החדשה.


לטקסט המינורי אין מקום משל עצמו: הוא פועל בחלל שבין מרחבים נתונים - מרחב שפת המקור ומרחב ההתארחות של היצירה. ספר שיריו הראשון בשפה העברית של המשורר וחוקר הספרות סלמאן מצאלחה, "אחד מכאן", מייצג את התנועה הזאת: "אני כותב בלשון העברית, / שבשבילי איננה שפת אם, / כדי ללכת לאיבוד בעולם. / מי שלא הולך לאיבוד לא / ימצא את השלם"; ותנועה זו מייצרת בתורה חוויה פואטית נדירה במורכבותה הלשונית, הרגשית והתודעתית. ספר השירה העברי הצנום הזה הוא לטעמי יצירת מופת.

המעמד הלשוני הייחודי של שירת מצאלחה מאפשר לנהל משא ומתן עם היחסים הפוליטיים הנזילים שמגדירים את כללי ההשתייכות לנופים הקהילתיים הטבועים בשפה העברית. אלו יחסי משא ומתן שמהווים גם עול פוליטי - שלעתים מכריע יצירות מינורית מסוימות - אך גם עשויים לספק פריווילגיה יצירתית, משום שהמניפולציה הפואטית אינה מבוצעת על חומרים לשוניים יציבים וידועים מראש, אלא על עצם קביעותם ומוכרותם.

שיריו של מצאלחה מתמסרים להזרה כפולה: זו הנעוצה במדיום השירי עצמו, וזו הנעוצה בשימוש בכל שגרת תיאור או מבנה דקדוקי שמפעיל אותו. מצאלחה, הסוכן הכפול של הדובר בשפה, מנצל אותה באופן עדין, מודע לעצמו ומתוחכם, ומגייס חופש יצירתי והבעתי יוצא דופן; הוא כותב: "מכיוון שאין לי שום ממשלה, עם / או בלי ראש, ואין שום יושב ראש / שעומד על ראשי. אני יכול בנסיבות / מקלות שכאלה, להרשות לפעמים / לעצמי, להיות בן אדם, / קצת חופשי".

___

אחד מכאן, מאת סלמאן מצאלחה. הוצאת עם עובד, 70 עמודים

פורסם: הארץ, תרבות וספרות, 18 ביוני 2004

***

Video Installation by Ritesinstitute (2008)
(Friedemann Derschmidt and Karin Schneider)

مقابلات صحفية
  • הארץ

    מהמרפסת של מלון "המלך דוד" בירושלים הכריז המשורר סלמאן מצאלחה על ישראל אחרת, אוטופית. שמה יהיה הומלנד. הומלנדי יהיה כל מי שיימצא במרחב של המדינה החדשה ביום הקמתה…
    تتمة - more
  • الحياة

    يجب ألا يغيب عن ذهنك أن التجربة الشعرية لدينا قد بدأت من الصفر لأن المدينة الفلسطينية لم تبق ولأن الثقافة الفلسطينية لم تبق في الوطن بل خرجت ولجأت الى بلاد العرب المحيطة....

    تتمة - more

  • Jerusalem Post

    My heart is full of chambers -- not just four or five like those described in anatomy books, but an entire palace in which each open door leads to a new discovery.


دراسات
  • אחד מכאן

    ספר השירים ״אחד מכאן״, שכתב סלמאן מצאלחה, מחייב את קוראיו לחדד את הקשבתם אל השירים החודרים שבו, שכן הם דורשים חשיבה מחדש על השירה העברית, על אפשרויותיה ועל גבולותיה. تتمة - more
  • خانة فارغة



    الحنين يقتاد الشاعر أبعد من جغرافيته المادية، نحو مدارات تنتمي الى ماضٍ وإرث وذكريات. يرميه موج الزمن على شاطئ يعيده الى رمل البداية والبداوة، ويضعه في الوقت عينه في أحضان طبيعة لا تستقر…

    تتمة - more


  • ريش البحر

    الشاعر في نصوصه يعيش تحولات وتبدلات ذات ألوان إيحائية تدلنا وتؤشر على ثقافته باعتبارها الفضاء الرحب الذي يتيح السفر والحالة الشعرية، فلا شعر خارج الفضاء الثقافي...

قصائد ملحنة
  • إنكليزية




    The Song About the Child

    Boston Community Gospel Choir:
    The Song About the Child
    Text: Salman Masalha
    Composer: Stephen Feigenbaum
    ***
    More


  • عربية

    يا صاحب الدن

    كَفِّي عَلَى خَدِّي
    وَالعَيْنُ فِي الكَاسِ
    أَرْضُ النَّوَى مَهْدِي
    وَالْخَمْرُ أَنْفَاسِي


  • عبرية



    בחיפה‮, ‬מול הים


    בְּחַיְפָה, מוּל הַיָּם, רֵיחוֹת הַמֶּלַח
    עוֹלִים מִתּוֹךְ הָאֲדָמָה. וְשֶׁמֶשׁ
    הַתּוֹלָה עַל עֵץ פּוֹרֶמֶת רוּחַ.



 
مجموعات شعرية
  • بلد في الحلم



    عشق مؤجل



    אחד מכאן



  • في الثرى، في الحجر



    خانة فارغة



    مقامات شرقية



    مغناة طائر الخضّر




  • لغة أم




    ريش البحر



    كالعنكبوت بلا خيوط



كتب أخرى
  • قصص التوراة في الرسومات الإسلامية


    العقد الثمين



    العقد الثمين، في دواوين الشعراء الستّة الجاهليين



  • فهم المنطوق


    فهم المنطوق، مسائل تراثية وأبعاد راهنة

    تتمة - more


    ما نحن؟


    لقراءة الكتاب، تتمة - more


  • Six Early Arab Poets


    Six Early Arab Poets
    New Edition and Concordance




    Writing a Homeland


    Writing a Homeland
    The Bancroft Library
    The University of California, Berkeley 2019



ترجمات عبرية وعربية
  • حليب سباع

    Photo:
    روني سوميك

    أوزو وموزو من كفر كاكاروزو

    Photo:
    إفرايم سيدون

    كتاب النيمومات الكبير


    جوڤانا جوبولي وسيمونا مولاتساني

    إنهم قادمون


    سيلڤي نيمان * ألبرتين

  • ذاكرة للنسيان


    محمود درويش

    الصبار


    سحر خليفة

    شهادة


    شهادات عن الاحتلال الإسرائيلي

    حكايا الانتفاضة

    Photo:
    درور چرين